ترجمة

الجمعة، 4 أبريل 2008

من مات دون رغيفه !!!


أحبائى..

الشهادة مفهوم وكلمة ورغبة وأمنية شىءمفرح و جميل ولكن فى ضوء هذه المقالة ...فهى أمر محزن ومخجل!!


من شهداء حرب أكتوبر إلي شهداء الرغيف !!

بقلم د.عمرو الشوبكى المصرى اليوم ٣/٤/٢٠٠٨
ربما كان من الصعب علي أكثر المصريين تشاؤماً أن يتصور أنه سيجيء اليوم الذي سيقتل فيه الناس بعضهم البعض علي طوابير الخبز، في مشهد لم نره عقب هزيمة يونيو ١٩٦٧، ولا في العصر الملكي، أو العصور الجمهورية.
والمؤكد أن مصر، علي مدار تاريخها المعاصر، عرفت أزمات كثيرة، بعضها كان بسبب الاستعمار الأجنبي، والبعض الآخر كان بسبب حكامها، كما شهدت محناً كثيرة، وعرفت حروباً أكثر، انتصرت في بعضها وهزمت في بعضها الآخر، وسقط في كلتا الحالتين شهداء ومصابون، من أجل تحرير الأرض أو مقاومة المحتل، لا من أجل قطعة خبز.
وكانت حرب أكتوبر آخر حرب يدخلها المصريون بجوارحهم وآمالهم، من أجل تحرير الأرض من المحتل الإسرائيلي، وحققوا فيها نصرا ولو جزئيا، سقط فيه آلاف الشهداء، وحررت بعدها كل سيناء وعادت إلي السيادة المصرية، رغم القيود التي فرضتها معاهدة كامب ديفيد علي حجم القوات المسلحة هناك، وفشل الحكم علي مدار أكثر من ربع قرن في أن يستثمر في الأرض أو البشر بسيناء، خاصة بعد التوقيع علي معاهدة السلام، وبدا المجال مفتوحا أمام نهضة اقتصادية وسياسية تُعوّض ما فات في عصر الحروب، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وبدا أمرا لافتاً أن عصر الشهداء، الذي ودعناه في حرب أكتوبر منذ أكثر من ٣٥ عاما، عاد مرة أخري، ليس من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، إنما للحصول علي «رغيف خبز»، في مشهد مؤلم، عكس حجم الفشل الذي أصاب نظامنا السياسي، وكيف أنه قزّم طموحات عموم المصريين عند حدود القتال من أجل الحصول علي رغيف العيش، أو مقعد في وسيلة نقل عام، أو قطرات ماء يرتوي بها في بلد النيل.
والحقيقة أن الدلالة الرمزية لهذا التحول الدرامي تكمن في أننا بلد سقطت فيه الدماء من أجل هدف نبيل، هو تحرير أرضنا المحتلة، وبعد ٣٥ عاما سقطت هذه الدماء مرة أخري أمام المخابز وبسبب طوابير الخبز. فكيف يمكن لبلد حارب وحرر أرضه، ثم وقّع اتفاقية سلام مع عدوه السابق، ولم يدخل في حرب واحدة منذ ذلك التاريخ، والتصق بالتوجهات الأمريكية، من أجل الرخاء والتنمية والاستقرار، أن يصل به الحال إلي هذا المشهد المحزن من انهيار في المرافق والخدمات، ومن فوضي وفساد سوء إدارة غير مسبوقين؟!.
لقد اعتادت الشعوب والمجتمعات الحية أن تدفع دماءها ثمنا لتحررها من استعمار أو احتلال، أو في ثورات من أجل التخلص من حكام مستبدين، أو دفاعا عن الشرف والكرامة، إنما من الصعب أن نري حولنا شعوبا تدفع دماءها ثمنا لرغيف الخبز، وهو ما لم نره في باكستان الفقيرة، ولا تركيا الميسورة، ولا في أمريكا الجنوبية التي تصارع التخلف وتتقدم، وبالتأكيد لم يكن الحال كذلك في أوروبا القرن العشرين، لأن الدماء التي سقطت بغزارة كانت من أجل مواجهة الاحتلال النازي، وليس أمام طوابير الخبز.
إن خطورة ما جري في مصر هو كيف أن هناك أجيالاً كاملة دفعت دماءها وعمرها ومستقبلها من أجل العبور وتحرير الأرض في أكتوبر ١٩٧٣، تماما مثلما ظهرت أجيال أخري ربحت من دماء وعمر ومستقبل هؤلاء الذين خاضوا حرب الاستنزاف في ١٩٦٩، والعبور في ١٩٧٣، ليأتي جيل آخر يجني، ليس فقط ثمار ما دفعته هذه الأجيال، إنما أيضا يثري ويفسد علي حسابهم، ويحول دماءهم التي دفعوها إلي مجرد أرقام في حسابات البنوك الأجنبية، وترك عموم المصريين في تلك الحالة المزرية من الفقر والعوز.
إن ما جري تبدو مفارقته هائلة، حين نربطه بالتضحيات التي دفعها الشعب المصري منذ قيام ثورة يوليو ١٩٥٢، وحتي حرب أكتوبر ١٩٧٣، حيث من المؤكد أن الرئيس مبارك تسلم البلد في عام ١٩٨١ «مقشرة» وعلي طبق من فضة، فلم يكن يعاني من مشكلات استراتيجية كبري، كوجود احتلال أجنبي أو حروب أهلية، أو دعوات انفصالية، صحيح أنه عاني من مشكلات من نوع مشكلة التليفونات، وربما المجاري، أو ما عرف بمشكلات البنية الأساسية، لا أكثر ولا أقل، ونعترف للرئيس مبارك بقدرته علي حل هذه المشكلات، إلا أن المطلوب كان الاستثمار في المورد الأساسي الذي يمتلكه بلد غير نفطي، مثل مصر، وهو البشر، فنستثمر في التعليم والعلماء، والإدارة والمعمار والتكنولوجيا، خاصة أننا كنا نمتلك قاعدة علمية لا بأس بها، وجامعات أخرجت أهم النخب العربية، وهي كلها أمور كانت تحتاج إلي نخبة سياسية علي قدر من الكفاءة والخيال والإرادة، قادرة علي إنجاز تلك الأهداف، وتحقيق طفرة في الأوضاع الاقتصادية والسياسية.
والمؤسف أن هذا لم يحدث، وضاعت دماء المصريين هباء، وشاهدنا دماء أخري أمام طوابير الخبز في المطرية وحلوان البلد في القاهرة، والسنطة والمحلة في الغربية، وقرية أدمو وبني مزار في محافظة المنيا، وقرية بقيرة بمركز بنها، وسقطت دماء صاحب مخبز في الإسكندرية، أثناء فضه مشاجرة أمام مخبزه، أما في الإسماعيلية فقتل ناظر مدرسة علي أيدي عاطل لتنافسهما علي الحصول علي رغيف العيش، وفي أسيوط قام شقيقان بقتل شاب لخلاف أيضا علي رغيف العيش، ليصل إجمالي قتلي (شهداء) رغيف العيش إلي أكثر من ٣١ قتيلا، بخلاف المصابين الذين اقتربوا من المائة حتي الآن، وهو الرقم الذي كان سيتضاعف في قلب الجيزة، وبالتحديد بميدان الدقي، عندما أعد أحد الأشخاص كمية من زجاجات المولوتوف للانتقام من أشخاص تشاجر معهم للحصول علي رغيف الخبز.
إن هذه المناطق لم تكن مجرد ساحات حرب ومتاريس مقاومة شعبية في وجه محتل أو حاكم مستبد، إنما كانت من أجل الحصول علي قطع الخبز، في مشهد لم تعرفه مصر طوال تاريخها الحديث، وإذا كان حالنا قد تدهور إلي هذه الدرجة، وانخفض فيه سقف طموح أغلب المصريين إلي حد الحرب والشهادة من أجل الرغيف، فهل يمكن أن يرتفع هذا السقف قليلا، ويعرفوا أنهم لكي يحصلوا علي رغيف العيش لابد أن يعيشوا في ظل سياسات مختلفة، وحكومة لديها مصداقية، ومستعدة أن تدفع مع الناس ثمن أي إصلاحات سياسية، وأن تتوقف عن اتهام المصريين بعدم الاستجابة لوصفات الإصلاح، وتتناسي أنها فاقدة المصداقية، وأن الناس يعتبرونهم فاسدين، وبعد ذلك هل نطالبهم بأن يستجيبوا لدعاواهم «الإصلاحية»؟!.