ترجمة

الثلاثاء، 30 مارس 2010

دين الحسنة بين السيئتين...!!!

أحبائى....
نظرا لأنى قد تعلمت فى الأزهر الشريف وكذا سخر الله لى أساتذة وعلماء عدول معتدلين ، ونظرا لكونى كنت المالكى الوحيد فى الصف العلمى علوم فى الثانوية فكنت أتلقى حصة الفقه وحدى منفردا بأستاذ المادة والذى كان أستاذا شرعيا يدرس الفقه والتفسير والحديث والتوحيد والمصطلح وكان تلك المواد فى نهاية عصورها العظيمة ولم تنل منها يد العابثين بعد فكان الفقه فقها مذهبيا على المذاهب الأربعة وليس الفقه الميسر للشيخ طنطاوى وكان يتناول كل الجوانب من المذاهب ومذاهب أخرى غير مشهورة ،وكذا التوحيد الذى تعرض لكل الفرق الإسلامية والمذاهب الشرعية سنة وشيعة ومعتزلة وإباضية وفرق أخرى شتى وأقسام كل فرقة التى تعددت ما بين متغالى ومتشدد ومابين متسهل ومفرط ، وكان الأستاذ أستاذا بحق يسير بى فى كل مسألة وحديث وأية بجميع دروبها وأوجهها حتى يقف بى على وجه معين غير أنه لم يعلمنى ولم يطلب منى أبدا أن أقف عنده .، بل كان دوما يردد على الحكمة التى تقول "عليك بالحسنة بين السيئتين "وعندما كنت أسأله عن معناها كان يقول ألم ترى أن الله فى إنفاق المال أمر بذلك فقال(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)وأمر بعدم الغلو والتفريط فى الدين فقال (ولاتغلوا فى دينكم ولاتقولوا على الله إلا الحق) ولذا جعلنا الله أمة وسطا لنكون شهداء على الناس بديننا الوسط!!!
ومن هذا المنطلق أكتب ناقلا ولست مبدعا إلا بفهم من الله على به ولكن النصوص نقلا عن علماء ثقات هذا المقال:-
المدلول اللغوي والشرعي للوسطية
(الوسطية) من المصادر الصناعية صار بعد زيادة الياء المشددة والتاء المربوطة دالا على مجموع السمات الخاصة بهذا اللفظ .
ويطلق الوسط في لغة العرب على معان : فوسط الشيء ما بين طرفيه قال الشاعر :
إذا رحلت فا جعلوني وسطا إنــي كبـير لا أطيـق العنـدا
والوسط الخيار ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى :
وهم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نـزلت إحـدى الليـالي العظائم
أي هم خيار ، فلذا كانت أحكامهم محل الرضى . ومنه قول أبي بكر في وصف المهاجرين يوم السقيفة : ( هم أوسط العرب دارا ) يقصد بذلك بيان خيريتهم وفضلهم .
وبهذا المعنى جاء تفسير الآية : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا )(سورة البقرة الآية 143 )
ففي صحيح البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : يجاء بنوح يوم القيامة ، فيقال : هل بلغت ؟ فيقول : نعم يا رب ، فتسأل أمته هل بلغكم ؟ فيقولون : ما جاءنا من نذير . فيقول : من شهودك ؟ فيقول محمد وأمته ، فيجاء بكم فتشهدون ثم يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قال : عدلا(لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(سورة البقرة الآية 143 ) .
ووسطية الإسلام من أبرز السمات التي يلوح فضلها في سائر تشريعاته الحكيمة ، فقد كرم الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم وسط في الملل والنحل جعل الله دينهم - الدين الإسلامي وسطا بين الإفراط والتفريط ، أو بين الغلو والتقصير ، وتظهر وسطية أمة الإسلام فيما يلي :
- في عقيدة المسلمين في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين - فهم لم يغلوا فيهم غلو النصارى الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ، ولم يجفوا فيهم كما جفت اليهود فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق ، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا وقتلوا فريقا فغضب الله عليهم . أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم - فآمنوا برسل الله جميعا ، وعزروهم ووقروهم ، وأحبوهم ، ولم يعبدوهم ، ولم يتخذوهم أربابا ، وآمنوا بجميع الكتب المنزلة على الرسل والأنبياء فكانوا بذلك وسطا .
* والدين الإسلامي وسط أيضا في الموقف من الإنسان فمقام الإنسان الذي كرمه الله وفضله على كثير من خلقه فهم يكرمون الإنسان لكنهم لم يؤلهوه كما صنعت بعض المذاهب والمعتقدات والتصورات ولم يحقروه ويهينوه - فالإسلام وسط بين حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية وبين خصائص الألوهية وخصائص العبودية . بينما تقول الكنيسة بألوهية المسيح عليه السلام - على اختلاف المذاهب الكنسية - كما أن المذاهب والفلسفات الأوربية وما قام عليها من مناهج التفكير لما أعلنت رفعة الإنسان ومقامه جعلت ذلك على حساب إيمانها بألوهية الرب سبحانه وتعالى فكانوا من الضالين .
* والإسلام وسط في العمل للدنيا والآخرة ، وفي عقيدة الإسلام يعتقد أن كلا منهما عبادة لله تعالى وتحقيق لغاية الوجود الإنساني ضمن شروط معينة ، بينما تأرجحت المذاهب الأخرى بين الاهتمام بالنواحي المادية الذي يظهر في المدنية الغربية الحديثة ، وأصبح معبودها هو المال والقوة والرفاهية والرقي المادي - وبين الإزراء بهذا الرقي المادي والمتاع الدنيوي كما هو الشأن في المذاهب التي تدعو إلى الرهبنة وتعذيب الجسد من أجل الروح وتهذيبها للوصول إلى مرحلة الفناء ، أما الإسلام فيقول الله تعالى (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(سورة البقرة الآية 201 ) وقوله : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(سورة القصص الآية 77)
* الإسلام وسط في التشريع بين اليهودية والنصرانية - اليهود الذين حرموا على الله تعالى أن ينسخ ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء . . . وبين النصارى الذي أجازوا لأكابر علمائهم وعبادهم أن يشرعوا بالتحليل والتحريم من دون الله تعالى .
* الإسلام وسط في الأخلاق والسلوك فقد جاءت الشريعة الإسلامية وسطا بين الإفراط والتفريط في الالتزام الأخلاقي ، وبين الجنوح إلى المثالية الخيالية ، فهي لا تترك الحياة كلها للمشاعر والضمائر ولا للترف والميوعة والهوى والشهوة المحرمة فيعصف بها في تيارات الشهوات المحرمة والخلاعة والمجون ، ولكن الدين الإسلامي يهذب السلوك ،ويرفع الضمير ويرتقي بالمشاعر ويعمر القلب بالتقوى والشعور برقابة الله تعالى تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي وصفه ربه بأنه على خلق عظيم ، وهكذا نجد الإسلام وسطا في جميع العلاقات الإنسانية فردية كانت أو اجتماعية بل جميع المصالح الذاتية والاجتماعية .
* الإسلام وسط في أعمال الخير والمصالح يقول العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى : ( فصل في الاقتصاد في المصالح والخيور . ، والاقتصاد رتبة بين رتبتين ومنزلة بين منزلتين والمنازل ثلاثة : التقصير في جلب المصالح ، والإسراف في جلبها ، والاقتصاد بينهما قال تعالى : سورة الإسراء الآية 29( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : ( الحسنة بين السيئتين ) ومعناه : إن التقصير سيئة والإسراف سيئة والحسنة ما توسط بين الإسراف والتقصير ، وخير الأمور أوسطها . فلا يكلف الإنسان نفسه من الطاعات إلا ما يطيق المداومة عليه ، ولا يؤدي إلى الملالة والسآمة ، ومن تكلف من العبادة مالا يطيق فقد تسبب إلى تبغيض عبادة الله إليه ومن قصر عما يطيق فقد ضيع حظه مما ندبه الله إليه وحثه عليه . ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التنطع في الدين وقال : هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ إلى أن قال : ( وعلى الجملة فالأولى بالمرء أن لا يأتي من أقواله وأعماله إلا بما فيه جلب مصلحة أو درء مفسدة مع الاقتصاد المتوسط بين الغلو والتقصير ) .!!!
فالإسلام يصطفي المنهج الوسط في معالجة شؤون الحياة كلها ، لذلك فهو وسط بين انحرافين ، وخيار بين اتجاهين ، بريء من وصمة الغلو الذي ما خالط شيئا إلا شانه ، وما دخل أمرا إلا أفسده .
وصفت مشاربه من كدر التفريط ووباء التقصير الذي هو مستنقع آسن وهذا ما أشارت إليه سورة الفاتحة في قوله سبحانه : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)(سورة الفاتحة الآية 6) فأمرنا بالابتهال إليه ، وطلب النهج السوي منه سبحانه والهداية إليه .
وهذا الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ، هو الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كل الأخلاق وفي كل الأعمال) فاقتضت حكمة التشريع أن نكرر هذا الدعاء المشير إلى الوسطية في اليوم والليلة سبع عشرة مرة ، لنستمسك بهدي الله تعالى ، وتكون أعمالنا وفق قوانين الوسطية ، السليمة من داء الابتداع والاختراع ، فالسنن الشرعية نجوم تهدي في ظلمات التحير ، والمبتدعات ظلمات تحير معتنقها .
وكأن النجوم بين دجاها سـنن لاح بينهن ابتداع
وكما كانت الوسطية من أبرز خصائص أمة الاستجابة جعلت علة لتكليف الأمة بالشهادة على الأمم ( لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)(سورة البقرة الآية 143) والشهادة لا تقوم إلا بالعدل ولا تقبل إلا من عدل ويسر الإسلام وسماحته ورفع الحرج عن أتباعه ودعوته إلى مكارم الأخلاق من الظهور بحيث لا تحتاج إلى مزيد بيان ، بل إن صاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ .
وإنما الوسطية في الإسلام قطب رحى العدل لأنها متمخضة عن الاعتصام بالكتاب والسنة والالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة قولا وعملا واعتقادا ذلك لأن جميع التشريعات الإلهية المنتظمة لكافة شؤون الحياة تتجلى فيها مظاهر الوسطية في أبهى حللها وأسمى معانيها .
ومن جانب الإفراط والتفريط فقد اهتدى لأن الحق وسط بين هذين وهو حسنة بين سيئتين .
ولذا حارب الدين الإسلامي الغلو فأمر بالاستقامة وحذر من تعدي الحدود وتجاوز الوسطية ، فمتعدي الحدود ظالم والمنحرف عن نهج الاستقامة طاغ والغلو في الدين نهج الضالين من النصارى ومن حذا حذوهم . والمتنطعون من الهالكين ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا أخرجه البخاري ومسلم وغيره .
والمتنطعون هم المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم وعندما لقط ابن عباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات مثل حصى الخذف لرمي الجمار وضعهن في يده وقال : نَعَمْ ، بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ وهو حديث صحيح صححه الأئمة .
ولما كان التشديد على النفس حتى في أمور العبادات ضربا من ضروب الغلو نهت عنه السنة النبوية لأن عاقبة صاحبه إلى الانقطاع ، ففي حديث أبي هريرة مرفوعا : إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ رواه البخاري وغيره وأحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة كما في البخاري أيضا تعليقا . فلا مكانة في الإسلام للغلو ولا للتطرف فإن المتطرف أيضا مجاوز حد الاعتدال متنكب عن الوسطية ، فهو وصف لصيق بالغلو ممتزج به ، وإن لم يدر ذكره في نصوص الشرع ولا محل في الحنيفية السمحة للتنطع ولا للعنف الذي اتخذ في عصرنا الحاضر ظاهرة ذات طابع دني مصطبغة بالشرعية فيما يزعمون .
فكل هذه السمات مباينة لوسطية الإسلام خارجة عن دائرة القصد والاعتدال والناس في القديم والحاضر :
1 - إما مستمسك بالحق من غير إفراط ولا تفريط ، قائم على أمر الله تعالى فهو من أهل الوسط الذين تأهلوا لأن يكونوا شهداء على الناس .
2 - وإما مفرط زائغ ، متجاوز لحدود الله مستهين بأمر الله تعالى .
3- وصنف ثالث غال في الدين متتبع للأهواء متجاوز للحق ضال عن سواء السبيل .
وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية إن شاء الله تعالى!!!
******

ليست هناك تعليقات: